الثلاثاء، 8 يناير 2013

قصة زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وأبو العاص بن ربيع


ذهب أبو العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة،
وقال له: أريد أن أتزوج زينب ابنتك الكبرى.
فقال له النبي: لا أفعل حتى أستأذنها.
ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على زينب
ويقول لها: ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجاً لك ؟
فاحمرّ وجهها وابتسمت.

فخرج النبي.
وتزوجت زينب أبا العاص بن الربيع، لكي تبدأ قصة حب قوية.
وأنجبت منه 'علي' و ' أمامة '. ثم بدأت مشكلة كبيرة حيث بعث النبي .
وأصبح نبياً بينما كان أبو العاص مسافراً وحين عاد وجد زوجته أسلمت.
فدخل عليها من سفره،
فقالت له: عندي لك خبر عظيم.
فقام وتركها.
فاندهشت زينب وتبعته وهي تقول: لقد بعث أبي نبياً وأنا أسلمت.
فقال: هلا أخبرتني أولاً؟
وتطل في الأفق مشكلة خطيرة بينهما. مشكلة عقيدة.
قالت له: ما كنت لأُكذِّب أبي. وما كان أبي كذاباً. إنّه الصادق الأمين. ولست وحدي. لقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي، وأسلم ابن عمي (علي بن أبي طالب)، وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان). وأسلم صديقك (أبو بكر الصديق).

فقال: أما أنا لا أحب الناس أن يقولوا خذّل قومه.وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته. وما أباك بمتهم.
ثم قال لها: فهلا عذرت وقدّرت؟
فقالت: ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا؟ ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه.
ووفت بكلمتها له 20 سنة.
ظل أبو العاص على كفره. ثم جاءت الهجرة، فذهبت زينب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله..أتأذن لي أنْ أبقى مع زوجي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبق مع زوجك وأولادك.
وظلت بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر،
وقرّر أبو العاص أن يخرج للحرب في صفوف جيش قريش.
زوجها يحارب أباها. وكانت زينب تخاف هذه اللحظة.
فتبكي وتقول: اللهم إنّي أخشى من يوم تشرق شمسه فييتم ولدي أو أفقد أبي. ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر،
 وتنتهي المعركة فيُؤْسَر أبو العاص بن الربيع، وتذهب أخباره لمكة،
فتسأل زينب: وماذا فعل أبي؟ فقيل لها: انتصر المسلمون.
فتسجد شكراً لله.
ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟
فقالوا: أسره حموه.
فقالت: أرسل في فداء زوجي.
ولم يكن لديها شيئاً ثميناً تفتدي به زوجها، فخلعت عقد أمها الذي كانت تُزيِّن به صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة سأل: هذا فداء من؟
قالوا: هذا فداء أبو العاص بن الربيع.
فبكى النبي وقال: هذا عقد خديجة. ثم نهض وقال: أيها الناس..إنّ هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلا فككت أسره؟ وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها؟
فقالوا: نعم يا رسول الله.
فأعطاه النبي العقد، ثم قال له: قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة.
ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟
ثم تنحى به جانباً وقال له: يا أبا العاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر، فهلا رددت إلى ابنتي؟
فقال: نعم.
وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ،
فقال لها حين رآها: إنّي راحل. فقالت: إلى أين؟
قال: لست أنا الذي سيرتحل، ولكن أنت سترحلين إلى أبيك. فقالت: لم؟
قال: للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى أبيك.
 فقالت: فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم؟ فقال: لا.
فأخذت ولدها وابنتها وذهبت إلى المدينة.
 وبدأ الخطاب يتقدمون لخطبتها على مدى 6 سنوات، وكانت ترفض على أمل أنْ يعود إليها زوجها.
وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلة من مكة إلى الشام،
وأثناء سيره يلتقي مجموعة من الصحابة. فسأل على بيت زينب وطرق بابها قبيل آذان الفجر،
فسألته حين رأته: أجئت مسلماً؟ قال: بل جئت هارباً.
فقالت: فهل لك إلى أنْ تُسلم؟ فقال: لا.
قالت: فلا تخف. مرحباً بابن الخالة. مرحباً بأبي علي وأمامة.

وبعد أن أمّ النبي المسلمين في صلاة الفجر، إذا بصوت يأتي من آخر المسجد:قد أجرت أبو العاص بن الربيع.
 فقال النبي: هل سمعتم ما سمعت؟
قالوا: نعم يا رسول الله
قالت زينب: يا رسول الله إنّ أبا العاص إن بعُد فابن الخالة وإنْ قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله.
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال: يا أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممته صهراً. وإنّ هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي. فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحب إلي. وإنُ أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه.
فقال الناس: بل نعطه ماله يا رسول الله.
فقال النبي: قد أجرنا من أجرت يا زينب. ثم ذهب إليها عند بيتها
وقال لها: يا زينب أكرمي مثواه فإنّه ابن خالتك وإنّه أبو العيال، ولكن لا يقربنك، فإنّه لا يحل لك.

فقالت : نعم يا رسول الله.
فدخلت وقالت لأبي العاص بن الربيع: يا أبا العاص أهان عليك فراقنا. هل لك إلى أنْ تُسْلم وتبقى معنا. قال: لا.
وأخذ ماله وعاد إلى مكة. وعند وصوله إلى مكة وقف
وقال: أيها الناس هذه أموالكم هل بقى لكم شيء؟
فقالوا: جزاك الله خيراً وفيت أحسن الوفاء.
قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي
وقال: يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
وقال أبو العاص بن الربيع: يا رسول الله هل تأذن لي أنْ أراجع زينب؟
 فأخذه النبي وقال: تعال معي.
ووقف على بيت زينب وطرق الباب وقال: يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أنْ يراجعك فهل تقبلين؟
فأحمرّ وجهها وابتسمت.
والغريب أنّ بعد سنه من هذه الواقعة ماتت زينب
 فبكاها بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه،
فيقول له: والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب.
ومات بعد سنه من موت زينب.

عشر نصائح فيها من عِظَة الدهر



يا بني، اسمع مني وانتبه، واعلم أن السعيد من اتّعظ بغيره، والشقي من اتّعظ بنفسه؛ فخذ من صروف الأيام عِبرتها، ومن تدابير القدَر حكمته، ومن تقلّب الناس آية، واعلم أن الغرّ الساذج في هذه الحياة من اغترّ برأيه، وغلبه سلطان هواه..
 
ولك مني عشر احفظها، وأعمل فيها عقلك وفكرك، ولا تتجاوزها لغيرها:
 
أما الأولى:
 فإن للعظمة طريقاً واحداً، مبدؤه التجرد والإخلاص، ومنتهاه التواضع، وبين هذا وذاك يأتي الجد والعمل والعرق والكدح، وليس للرقي مسلك آخر؛ فإن حُدت عن الطريق في أوله ولم تُخلص، غلبك شيطان هواك، وحاد بك عن جادّة الاستقامة، وإن حُدت آخره، وغرّك عظيم فضّله الله عليك، كنت كمن نقضَت غزلها بعدما سهرت تغزله ليالي طوالاً، أما العرق والكد والكدح؛ فهما ثمن النجاح، لا يتم إلا بهما، ولا يُنال إلا بدفعهما.
 
 
أما الثانية:
 فإنك لن تسلم من ألسنة الناس ولمْزهم؛ خاصة من رأوك صغيراً فكبرت على أعينهم، أو بسيطاً فحُزت العزة والشرف وهم شهود، وأول من سينال منك مَن كبرت على عينيه؛ لذا قال العرب قديماً: "لا كرامة لنبي في وطنه"؛ فلا تحزن عندما يستصغر القوم شأنك، وكان جديراً بهم أن يَعلوا بك، واعلم أن هذا من طبائع النفس التي جَبَل الله الناس عليها.
 
 
والثالثة:
 لا تحزن لكثرة أعدائك؛ فما دامت عداوتهم في الحق فهم شهود لك أمام الله لا عليك، وإن كان الأصدقاء يمدوننا بالدعم الوجداني؛ فإن الأعداء يوقظون لدينا الحافز لنكون أفضل، إنهم يجعلونك أكثر يقظة وأكثر انتباهاً لما يدور حولك، لا تنزعج من كثرتهم، أو قوتهم؛ فإنهم دليل آخر من دلائل عبقريتك وعظمتك!
 
والرابعة:
 احفظ لسانك ما استطعت؛ فإن المرء مخبوء تحت لسانه كما قال أبو الحسن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه - فإذا تكلّمت ظهر للناس حقيقة شخصيتك؛ فحاول ألا يسبق لسانك عقلك، فكّر قبل أن تنطق، وزِنِ الأمور قبل طرحها على مستمعك، ولا تستخفّ بالكلمة؛ فلكم أحيت الكلمة نفوساً، وأماتت غيرها، والحذر كل الحذر أن تغضب فيُطيح لسانك بهذا أو ذاك؛ فاللسان عند الغضب أحدّ من السيف وأشدّ إيلاما، وليكن لك في الاعتذار مخرج إذا ما زللت وأخطأت؛ فالاعتذار على حرقته أهون كثيراً من أن ينتقصك الناس لضعفك أمام شيطان غضبك وفوزه عليك.
 
 
أما الخامسة:
 فاحذر أن تحارب من ليس لديه ما يخسره؛ فإنه أرعن مجنون، ضرباته حينذاك تكون هي الخطر بعينه، وتحركاته لا يمكن توقّعها؛ فليس بمستبعد منه أن يخرق السفينة ليغرقها، وهو على متنها ليؤذيك، وخطورة مثل هذا أن تدابير العقل لا تصلح معه، والطريقة المثلى للتعامل معه هي اليقظة التامة، والحذر الكامل، وتجنُّبُ لقائه ما استطعت؛ فهذا هو الأسلم والأحوط.
 
 
والسادسة:
لا تحرق خلفك كل الجسور، فمهما حاربت، وعاديت، وبغضت؛ فإن الحكمة والفطنة تقتضي أن تترك خلفك انفراجة؛ فإنك لا تدري عندما تهدأ النفس ما الذي قد يظهر ويستجدّ، وقد تحتاج في لحظة ما إلى التحالف مع عدو الأمس، أو المرور من طريق قد اشعلت فيه النار؛ فحاول في كل معاركك أن تترك هنا أو هناك شيئاً ولو بسيطاً يشفع لك إذا ما أحببت العودة ثانية.
 
السابعة:
لا تشغل بالك بأمر ليس لك يد في تغييره، احتفظ بقوتك، وتدبيرك، وعقلك لما يقع في دائرة سيطرتك؛ فإن البكاء على اللبن المسكوب حماقة، ومناطحة الدهر ديدن من لا عقل له.
 
 
والثامنة:
 تأكّد أن اللون الأسود هو الذي جعلنا نُدرك نقاء البياض، والظلم نبّه عقولنا لعظمة العدل والمساواة، والجبابرة هم من جعلونا نشتاق إلى نسائم الحرية.. بالتضاد تُعرف الأشياء؛ فلا تحزن حينما ينالك شيء من سواد أو ظُلم أو بغي الحياة، واجعل السيئ الذي تتعرض له، نبراساً يهديك إلى طريق الخير والحق والصلاح.
 
التاسعة:
 لا تكره أحد، هؤلاء الذين خدعوك، وقاتلوك، ووقفوا في طريق طموحك لا يستحقون أن تكرههم، لا تحمل لهم بداخلك أي مشاعر، فكرههم دليل على أنهم قد فازوا بجزء منك، جزء من قلبك وروحك ووجدانك، والأجدر أن تُلقيهم خلف ظهرك غير مأسوف عليهم، كن بخيلاً في مشاعرك السلبية؛ فلديك ما يستحقّ أن توليه اهتمامك وانشغالك وروحك.
 
والعاشرة:
 تعلّم الندم، والاعتذار إلى الله؛ فإنك بشر وللبشر زلّات وسقطات، وعند الخطيئة إياك أن تكابر، وإياك أيضاً أن تنهزم وتُغلق باب الرجاء؛ فالاستهتار بالذنب لا يفوقه إثم سوى القنوط من رحمة الله، وما يجب أن تفعله آنذاك هو الاستغفار، والتوبة، والاعتذار، والالتجاء إلى الله حزيناً منكسراً طالباً للعفو والمغفرة؛ فهذا من تمام عبوديتك له.
 
تلك عشرة كاملة.. لك فيها شيء من عِظَة الدهر.
 
وأكرر بأن السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه.. ولله القصد.. وعليه التكلان